فصل: الحديث الخَامِس عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث العَاشِر:

حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ، وَقد أسلفنا الْوَعْد بِهِ فِي أثْنَاء الحَدِيث التَّاسِع عِنْد قَول الرَّافِعِيّ فِي وَقت رفع الْيَدَيْنِ أوجه:
أَحدهَا: أَنه يرفع غير مكبر، ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير مَعَ ابْتِدَاء الْإِرْسَال وينهيه مَعَ انتهائه، رُوِيَ ذَلِك عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَحَدِيث أبي حميد هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الحميد يَعْنِي ابْن جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء قَالَ: سَمِعت أَبَا حميد السَّاعِدِيّ فِي عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو قَتَادَة، قَالَ أَبُو حميد: «أَنا أعلمكُم بِصَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: فَلم؟ فوَاللَّه مَا كنت بأكثرنا لَهُ تبعة، وَلَا أقدمنا لَهُ صُحْبَة. قَالَ: بلَى. قَالُوا: فاعرض. قَالَ: كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلاة يرفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه، ثمَّ يكبر حَتَّى يقر كل عظم فِي مَوْضِعه معتدلًا...» الحَدِيث بِطُولِهِ.
وَذكره- أَعنِي: حَدِيث أبي حميد- من طرق وَهُوَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه لَكِن بِدُونِ ذكر أبي قَتَادَة. وَقَالَ: «كنت جَالِسا مَعَ نفرٍ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكرنَا صَلَاة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو حميد: أَنا كنت أحفظكم لصلاته رَأَيْته إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حذاء مَنْكِبَيْه...» ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث.
وَكَذَا أخرجه التِّرْمِذِيّ. ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَخَالف الطَّحَاوِيّ فَرده بِأَن مُحَمَّدًا هَذَا لم يدْرك أَبَا قَتَادَة عَلَى الصَّحِيح. قَالَ: وَالصَّحِيح أَن أَبَا قَتَادَة مَاتَ مَعَ عَلّي فِي حروبه قَالَ: ونزيد ذَلِك بَيَانا؛ أَن عطاف بن خَالِد رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، قَالَ: حَدثنِي رجل «أَنه وجد عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله جُلُوسًا...» فَذكره، وعطاف وثَّقه أَحْمد ويَحْيَى.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بطرِيق أبي دَاوُد بِلَفْظ «كَانَ إِذا قَامَ فِي الصَّلَاة اعتدل قَائِما وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه ثمَّ قَالَ: الله أكبر...» الحَدِيث.
ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث فليح بن سُلَيْمَان، عَن عَبَّاس بن سهل السَّاعِدِيّ قَالَ: اجْتمع أَبُو حميد، وَأَبُو أسيد السَّاعِدِيّ، وَسَهل بن سعد، وَمُحَمّد بن مسلمة؛ فَذكرُوا صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو حميد: أَنا أعلمكُم بِصَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «قَامَ فَكبر وَرفع يَدَيْهِ...» الحَدِيث.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه؛ بِدُونِ ذكر مُحَمَّد بن مسلمة وَلَفظه: «فَرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه».
وَرَوَاهُ من طرق أُخْرَى أَيْضا وطرقه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من طرق سَبْعَة لَفظه فِي بَعْضهَا: «فَرفع يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَى بهما مَنْكِبَيْه» وَفِي بَعْضهَا: «إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه».
وَقَالَ: سمع هَذَا الحَدِيث: مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء من أبي حميد السَّاعِدِيّ. وسَمعه من عَبَّاس بن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ من أَبِيه؛ فَالطَّرِيقَانِ جَمِيعًا محفوظان ومبناهما متباينان. وَقد يتَوَهَّم غير المتبحر في صناعَة الحَدِيث أَن خبر أبي حميد مَعْلُول، وَلَيْسَ كَذَلِك. قَالَ: وَعبد الحميد بن جَعْفَر أحدُ الثِّقَات المتقنين؛ قد سبرت أخباره، فَلم أره انْفَرد بِحَدِيث لم يُشَارك فِيهِ. وَقد وَافق فليح بن سُلَيْمَان وَعِيسَى بن عبد الله بن مَالك، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، عَن أبي حميد عبد الحميد بن جَعْفَر فِي هَذَا الْخَبَر.
قلت: وفليح أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَلَكِن عِيبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجه لحديثه.
وَقَالَ ابْن معِين: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ السَّاجِي: إِنَّه يهم.
وَقَالَ مظفر بن مدرك: كُنَّا نتهمه؛ لِأَنَّهُ كَانَ يتَنَاوَل من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا أَضْعَف مَا رمي بِهِ.

.الحديث الحَادِي عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ثَلَاث من سنَن الْمُرْسلين: تَعْجِيل الْفطر، وَتَأْخِير السّحُور، وَوضع الْيَمين عَلَى الشمَال فِي الصَّلَاة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء أُمِرْنَا أَن نؤخر السّحُور ونعجل الْإِفْطَار وَأَن نمسك بأيماننا عَلَى شَمَائِلنَا فِي الصَّلَاة».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه في كتاب الصَّوْم من هَذَا الْوَجْه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث يعرف بطلحة بن عَمْرو الْمَكِّيّ؛ وَهُوَ ضَعِيف. وَقد اخْتلف عَلَيْهِ؛ فَقيل: عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَقيل: عَنهُ، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة. وَمن وَجه ضَعِيف عَن ابْن عمر. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة من قَوْلهَا: «ثَلَاث من النُّبُوَّة...» فَذَكرهنَّ، وَهُوَ أصح مَا ورد فِيهِ.
وَرَوَاهُ فِي هَذَا الْبَاب وَكَذَا الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبان الْأنْصَارِيّ، عَن عَائِشَة مَوْقُوفا عَلَيْهَا: «ثَلَاث من النُّبُوَّة: تَعْجِيل الْإِفْطَار، وَتَأْخِير السّحُور، وَوضع الْيَد الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا أصح عَن مُحَمَّد بن أبان.
قلت: فِيهِ نظر، قَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف لمُحَمد سَماع من عَائِشَة. ذكره فِي الْمِيزَان.
ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وَقَالَ: تفرد بِهِ عبد الْمجِيد، وَإِنَّمَا يعرف بطلحة بن عَمْرو- وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ- عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس- وَمرَّة عَن أبي هُرَيْرَة- عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه فِي كِتَابه وصف الصَّلَاة بِالسنةِ عَن الْحسن بن سُفْيَان، نَا حَرْمَلَة بن يَحْيَى ثَنَا ابْن وهب، أبنا عَمْرو بن الْحَارِث، أَنه سمع عَطاء بن أبي رَبَاح يحدث عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء أمرنَا أَن نؤخر سحورنا، ونعجل فطرنا، وَأَن نمسك بأيماننا عَلَى شَمَائِلنَا فِي الصَّلَاة».
ثمَّ قَالَ فِي صَحِيحه: سمع هَذَا الْخَبَر: ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، وَطَلْحَة بن عَمْرو، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح.
وَرَوَاهُ كَذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن عَمْرو إِلَّا ابْن وهب، تفرد بِهِ حَرْمَلَة. وَفِي تَارِيخ الْعقيلِيّ: عَن يعْلى بن مرّة مَرْفُوعا: «ثَلَاث يحبهن الله- عَزَّ وَجَلَّ-: تَعْجِيل الْفطر، وَتَأْخِير السّحُور، وَضرب الْيَدَيْنِ أَحدهمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاة» ثمَّ ضعفه- وَقَالَ: رُوِيَ بِإِسْنَاد أصلح من هَذَا.
وَفِي «مُصَنف ابْن أبي شيبَة» عَن أبي الدَّرْدَاء «من أَخْلَاق النَّبِييِّنَ- صَلَّى الله عَلَيْهِم وَسلم- وضع الْيَمين عَلَى الشمَال فِي الصَّلَاة».
وَعَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «كَأَنِّي أنظر إِلَى أحْبار بني إِسْرَائِيل واضعي أَيْمَانهم عَلَى شمائلهم فِي الصَّلَاة» وإسنادهما جيد.
وَفِي سنَن أبي دَاوُد بِإِسْنَاد جيد أَيْضا عَن ابْن الزبير: «صف الْقَدَمَيْنِ، وَوضع الْيَد عَلَى الْيَد من السُّنَّةِ».

.الحديث الثَّانِي عشر:

عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر وأَخذ شِمَاله بِيَمِينِهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن جحادة، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل بن حجر قَالَ: «كنتُ غُلاَمًا لَا أَعقل صَلَاة أبي فَحَدثني وَائِل بن عَلْقَمَة عَن وَائِل بن حجر قَالَ: صليت خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ إِذا دخل فِي الصَّفّ رفع يَدَيْهِ وَكبر، ثمَّ التحف فَأدْخل يَده فِي ثَوْبه فَأخذ شِمَاله بِيَمِينِهِ؛ فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع أخرج يَدَيْهِ ورفعهما وَكبر ثمَّ ركع، فَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفع يَدَيْهِ وَكبر فَسجدَ ثمَّ وضع وَجهه بَين كفيه».
قَالَ ابْن جحادة: «فذكرتُ ذَلِك لِلْحسنِ بن أبي الْحسن فَقَالَ: هِيَ صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعله من فعله وتَركه من تَركه» قَالَ ابْن حبَان: مُحَمَّد بن جحادة من الثِّقَات المُتْقنين وَأهل الْفضل فِي الدَّين، إِلَّا أَنه وهم فِي اسْم هَذَا الرجل؛ إِذْ الْجواد يعثر، فَقَالَ: وَائِل بن عَلْقَمَة، وَإِنَّمَا هُوَ عَلْقَمَة بن وَائِل.
قلت: وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ عَن البُخَارِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن جحادة، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل عَن عَلْقَمَة بن وَائِل وَمولى لَهُم، عَن أَبِيه وَائِل بن حجر: «أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ حِين دخل فِي الصَّلَاة كبر وصف همام حِيَال أذُنيه، ثمَّ التحف بِثَوْبِهِ، ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرْكَع أخرج يَدَيْهِ من الثَّوْب ثمَّ رفعهما ثمَّ كبر فَرفع، فَلَمَّا قَالَ: سمع الله لمن حَمده، رفع يَدَيْهِ، فَلَمَّا سجد سَجَدَ بَين كَفَّيْهِ».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عَلْقَمَة عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ قَائِما فِي الصَّلَاة قبض بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَاله».
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة أَيْضا فِي صَحِيحه عَن وَائِل قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى يَده الْيُسْرَى عَلَى صَدره».
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِلَفْظ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة؛ قَرِيبا من الرُّسغِ».

.الحديث الثَّالِث عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ظهر كَفه الْيُسْرَى والرسغ والساعد».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث عَاصِم بن كُلَيْب محيلًا عَلَى حَدِيث قبَله رَوَاهُ وَائِل بن حجر فِي كَيْفيَّة وضع الْيَد فِي التَّشَهُّد يَأْتِي حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ فَقَالَ: بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ فَقَالَ فِيهِ: «ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ظهر الْيُسْرَى والرسغ والساعد».
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَاصِم أَيْضا، قَالَ: حَدثنِي أبي أَن وَائِل بن حجر الْحَضْرَمِيّ أخبرهُ قَالَ: «لأنظرن إِلَى صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ يُصَلِّي فَنَظَرت إِلَيْهِ حِين قَامَ فَكبر، وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَى أُذُنَيْهِ ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ظهر كَفه الْيُسْرَى والرسغ والساعد...» الحَدِيث.
فَائِدَة: الرسغ هُوَ الْمفصل بَين الْكَفّ والساعد، وَهُوَ بالسِّين أفْصح من الصَّاد.
تَنْبِيه: ذكر الرَّافعيُّ هُنَا عَن الْغَزالِيّ أَنه قَالَ: رُوِيَ في بعض الْأَخْبَار «أَنه يُرْسل يَدَيْهِ إِذا كبر، وَإِذا أَرَادَ أَن يقْرَأ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى»
وَهَذَا الحَدِيث ذكره الْغَزالِيّ فِي أَوَائِل الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْأَعْمَال الظَّاهِرَة من الْإِحْيَاء ثمَّ قَالَ: وَإِن صَحَّ هَذَا فَهُوَ أولَى.
قلت: هَذَا الحديثُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث معَاذ بن جبل قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ فِي صلَاته رفع يَدَيْهِ قبال أُذُنَيْهِ؛ فَإِذا كبَّر أرسلهما ثمَّ سكت وَرُبمَا رَأَيْته يضع يَمِينه عَلَى يسَاره، فَإِذا فرغ من فَاتِحَة الْكتاب سكت» ثمَّ ذكر حديثًَا طَويلا، وَفِي إِسْنَاده: الخصيب بن جحدر، وَقد كذبه شُعْبَة وَالْقطَّان، وَفِيه أَيْضا: مَحْبُوب بن الْحسن، ضعفه النَّسَائِيّ، وليَّنه أَبُو حَاتِم فَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ ووثَّقه ابْن معِين وَخرج لَهُ خَ مَقْرُونا بآخر وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي مُشكل الْوَسِيط: لَطِيفَة علقتها بنيسابور مِمَّا علق عَن الْغَزالِيّ فِي درس وَهُوَ أَن حَالَة إرْسَال الْيَد بعد الْفَرَاغ من التَّكْبِير لَا يَنْبَغِي أَن يَفْعَله، ثمَّ يسْتَأْنف رفعهما إِلَى الصَّدْر؛ فَإِنِّي سَمِعت وَاحِدًا من الْمُحدثين يَقُول: الْخَبَر إِنَّمَا ورد بِأَنَّهُ يُرْسل يَدَيْهِ إِلَى صَدره.

.الحديث الرَّابِع عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «التَّكْبِير جزم، وَالسَّلَام جزم».
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من رَوَاهُ هَكَذَا مَرْفُوعا؛ وَإِنَّمَا أعرفهُ من قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: «التَّكْبِير جزم، وَالسَّلَام جزم».
كَذَا نَقله عَنهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَالْمُنْذِرِي فِي مُخْتَصر السُّنن قَالَ: وَجزم بِالْجِيم وَالزَّاي، وَرَوَى «حذم» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَمَعْنَاهُ: سريع. الخدم فِي اللِّسَان: السرعة، وَمِنْه: «إِذا أَقمت فاحذم» أَي: أسْرع.
وَقَالَ المحبُّ الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه: مَعْنَى جزمهما أَنَّهُمَا لَا يمدان، وَلَا يعرب التَّكْبِير؛ بل يسكن آخِره. وَتبع فِي ذَلِك ابْن الْأَثِير؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي نهايته: أَرَادَ بِالْجَزْمِ أَنه لَا يمد وَلَا يعرب؛ بل يسكن.
قلت: وَورد حَدِيث بِمَعْنى الْقطعَة الثَّانِيَة قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه بَاب مَا جَاءَ أَن حذف السَّلَام سنة رُوِيَ من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ، عَن قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة، وَأبي هُرَيْرَة قَالَ: «حذف السَّلَام سُنَّة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قلتُ: وَقَول أبي هُرَيْرَة هَذَا يدْخل فِي الْمسند عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن أَحْمد وَأَبا دَاوُد وَالْحَاكِم وَابْن السكن أَخْرجُوهُ مَرْفُوعا صَرِيحًا من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ أَيْضا عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «حذفُ السَّلَام سُنَّةٌ».
قَالَ الْحَاكِم هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم؛ فقد اسْتشْهد بِقُرَّةَ فِي موضِعين من كِتَابه. قَالَ: وَوَقفه ابْن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد- عَلَى مَا نَقله عَنهُ ابْن القطَّان-: إِن الْفرْيَابِيّ لما رَجَعَ من مكَّة ترك رَفعه. وَقَالَ: نهاني أَحْمد عَن رَفعه وَقَالَ عِيسَى بن يُونُس الرَّمْلِيّ: نهاني ابْن الْمُبَارك عَن رَفعه وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارقطنيُّ فَأجَاب فِي علله بِأَن وَقفه هُوَ الصَّوَاب.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: كَانَ الوقفُ تقصيرًا من بعض الروَاة.
قلت: صورته صُورَة مَوْقُوف وَإِلَّا فَهُوَ يدْخل فِي الْمسند كَمَا سلف عَن أَكثر المحدِّثين. وأعلَّه ابْن القطَّان بقُرَّةَ، وَقَالَ: لَا يَصح مَوْقُوفا وَلَا مَرْفُوعا، وقرَّة هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن حَيْوِيل بن نَاشِرَة الْمعَافِرِي الْمصْرِيّ. قَالَ الأوزاعيُّ: مَا أحد أعلم بالزهري من قُرَّة.
وَقَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث جدًّا. وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة: ضَعِيف وَأُخْرَى: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَقَالَ ابْن عدي: لم أرَ لَهُ حَدِيثا مُنْكرا، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ.
وَذكره مُسلم فِي صَحِيحه مَقْرُونا بِعَمْرو بن الْحَارِث، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته. وَأخرج لَهُ فِي صَحِيحه حَدِيث «أحب عبَادي إِلَيّ أعجلهم فطرًا» ثمَّ قَالَ: هُوَ من ثِقَات مصر.
فَائِدَة: حذفُ السَّلَام قيل إِنَّه الْإِسْرَاع بِهِ، قَالَ ابْن الْمُبَارك: أَن لَا يمده مدًّا نَقله عَنهُ الترمذيُّ. وَقيل: أَن لَا يكون فِيهِ «ورحمةُ الله» يَعْنِي: فِي الصَّلَاة، ويردُّهُ مَا جَاءَ مصرَّحًا بِهِ من زِيَادَة: «وَرَحْمَة ُ الله» كَمَا ستعلمه فِي مَوْضِعه.
وَفِي صِحَاح ابْن السَّكن إِثْر هَذَا الحَدِيث؛ أَن الْأَوْزَاعِيّ سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ: إِذا سلم الإِمَام لم يصل السَّلام بجلوس حَتَّى يقوم أَو ينْصَرف.
وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ واستدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى الرَّاجِح فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أَنه لَا يمدها؛ بِخِلَاف بَاقِي تَكْبِيرَات الِانْتِقَالَات، فَقَالَ: لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «التَّكْبِير جزم» أَي لَا يمد. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا دلَالَة فِيهِ إِلَّا عَلَى تسكين آخِره؛ فَإِنَّهُ الْمَعْرُوف فِي الْجَزْم، لكنه مُوَافق لما أسلفناه عَن الْمُحب الطَّبَرِيّ وَغَيره فِي تَفْسِيره لَهُ.

.الحديث الخَامِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعمران بن حُصيْن: صلِّ قَائِما؛ فَإِن لم تستطع فقاعدًا، فَإِن لم تستطع فعلَى جنب».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البخاريُّ فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي أَوله: عَن عمرَان قَالَ: «كَانَت بِي بواسير فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فَقَالَ: صل قَائِما...» الحَدِيث، زَاد النَّسَائِيّ: «فَإِن لم تستطع فمستلق لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا».
وَأما الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرجه كَمَا سَاقه البُخَارِيّ، لكنه قَالَ: «كَانَ بِي الناصور...» وَهُوَ هُوَ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ؛ إِنَّمَا أخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا.
قلت: قد أخرجه كَمَا أخرجته أَنْت سَوَاء.

.الحديث السَّادِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يقعي الرجل فِي صلَاته».
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث عَائِشَة بِلَفْظ: «وَكَانَ ينْهَى عَن عقبَة الشَّيْطَان» وَهُوَ حَدِيث طَوِيل، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ.
قَالَ الهرويُّ عَن أبي عبيد: عقبَة الشَّيْطَان هُوَ أَن يضع أليتيه عَلَى عَقِبَيْهِ بَين السَّجْدَتَيْنِ؛ وَهُوَ الَّذِي يَجعله بعض النَّاس الإقعاء. وَكَذَا قَالَه صَاحب النِّهَايَة قَالَ: وَقيل: هُوَ أَن يتْرك عَقِبَيْهِ غير مغسولين فِي الْوضُوء.
ثَانِيهَا: من حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الإقعاء فِي الصَّلَاة».
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَالرِّوَايَة فِي إِبَاحَة الإقعاء صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. فَذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس الْآتِي.
ثَالِثهَا: من حَدِيث عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يَا عَلّي، أحبُّ لَك مَا أحبُّ لنَفْسي، وأكره لَك مَا أَكْرَهُ لنَفْسي، لَا تُقْعِ بَين السَّجْدَتَيْنِ».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحَارِث عَنهُ ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه من حَدِيث عَلّي إِلَّا من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي. وَقد ضعف بعض أهل الْعلم الْحَارِث الْأَعْوَر. قَالَ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أَكثر أهل الْعلم يكْرهُونَ الإقعاء.
وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا ابْن مَاجَه من هَذِه الطَّرِيق، وَلَفظه:
«لَا تقع بَين السَّجْدَتَيْنِ».
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى من حَدِيث عَلّي وَأبي مُوسَى «لَا تقع إقعاء الْكَلْب» وَفِي سَنَده مَعَ الْحَارِث: أَبُو نعيم وَأَبُو مَالك النخعيان؛ وَقد ضعفوهما.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى أَنه قَالَ: «لَا تقعوا إقعاء الْكلاب».
قلت: لَهُ طرق:
أَحدهَا وَثَانِيها: من حَدِيث عَلّي وَأبي مُوسَى، وَقد تقدّمت أَيْضا.
ثَالِثهَا: من حَدِيث الْعَلَاء أبي مُحَمَّد، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا رفعت رَأسك من السُّجُود فَلَا تُقْعِ كَمَا يقعي الْكَلْب، ضع أليتيك بَين قَدَمَيْك، وألزق ظَاهر قَدَمَيْك بِالْأَرْضِ» رَوَاهُ ابْن مَاجَه والْعَلَاء هَذَا هُوَ ابْن زيد الثَّقَفِيّ، مَتْرُوك؛ كَمَا قَالَه أَبُو دَاوُد وَغَيره. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: وضَّاع. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن أنس بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الإقعاء والتورُّك».
رَابِعهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهاني رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نقرة كنقر الديك، وإقعاء كإقعاء الْكَلْب، والتفات كالتفات الثَّعْلَب».
رَوَاهُ أَحْمد كَذَلِك، وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: «القرد» بدل «الْكَلْب» وَفِي إِسْنَاده: لَيْث بن أبي سليم، وَقد علمت مَا فِيهِ فِي بَاب الْوضُوء، وَنقل النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة عَن الْحفاظ أَنهم قَالُوا: لَيْسَ فِي النَّهْي عَن الإقعاء حَدِيث صَحِيح إِلَّا حَدِيث عَائِشَة السَّابِق.
قلت: وَبعده حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة كَمَا سلف عَلَى مَا فِي هَذِه التَّرْجَمَة من الْخلاف الشهير فِيهَا.
وَأخرج ابْن السكن فِي صحاحه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلام نهَى عَن السدل، والإقعاء فِي الصَّلَاة» وَعَن أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن التورُّك والإقعاء فِي الصَّلَاة».
وَهُوَ متساهل فِي هَذَا التَّأْلِيف.
تَنْبِيه: صَحَّ عَن طَاوس أَنه قَالَ: «قلت لِابْنِ عَبَّاس فِي الإقعاء عَلَى الْقَدَمَيْنِ، قَالَ: هِيَ السُّنة. فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لنراه جفَاء بِالرجلِ! فَقَالَ: بل هِيَ سنة نبيك».
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا، وَقد ذكره الرافعيُّ فِي أثْنَاء الْبَاب، كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الأولَى يقْعد عَلَى أَطْرَاف أَصَابِعه وَيَقُول: إِنَّه من السّنة».
وَفِيه عَن ابْن عمر أَيْضا وَابْن عَبَّاس «أَنَّهُمَا كَانَا يقعيان».
وَفِيه عَن طَاوس: «رَأَيْت العبادلة يقعون».
وَفِي الْجمع بَين هَذَا وَبَين مَا سلف وَجْهَان:
أَحدهمَا: أَن أَحَادِيث الْإِبَاحَة مَنْسُوخَة بِأَحَادِيث النَّهْي. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لَعَلَّ ابْن عَبَّاس لم يعلم مَا ورد من الْأَحَادِيث الناسخة الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَن الإقعاء. قَالَ الْخطابِيّ: وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَه.
وَالثَّانِي: أَنه لَا نسخ فِي ذَلِك؛ وَإِنَّمَا الإقعاء ضَرْبَان:
أَحدهمَا: أَن يضع أليتيه وَيَديه عَلَى الأَرْض وَينصب سَاقيه، وَهَذَا مَكْرُوه، وَهُوَ الَّذِي وَردت فِيهِ الْأَحَادِيث الأول.
وَثَانِيهمَا: أَن يضع أليتيه عَلَى عَقِبَيْهِ وَتَكون ركبتاه فِي الأَرْض، وهَذَا هُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْن عَبَّاس وفعلته العبادلة، وَنَصّ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ والْإِمْلَاء عَلَى اسْتِحْبَابه بَين السَّجْدَتَيْنِ فَهُوَ سنة والافتراش سنة، لَكِن الصَّحِيح أَن الافتراش أفضل مِنْهُ؛ لِكَثْرَة الروَاة لَهُ؛ وَلِأَنَّهُ أعونُ للْمُصَلِّي، وَأحسن فِي هَيْئَة الصَّلَاة وبِهَذَا الْوَجْه جمع بَين الْأَحَادِيث الْبَيْهَقِيّ، وَتَبعهُ ابْن الصّلاح ثمَّ النَّوَوِيّ قَالَا: وَقد غلط فِي هَذَا كَثِيرُونَ؛ لتوهمهم أَن الإقعاء نوع وَاحِد، وَأَن الْأَحَادِيث تَعَارَضَت فِيهِ حَتَّى توهم بعض الْكِبَار أَن حَدِيث ابْن عَبَّاس مَنْسُوخ، وَهَذَا غلط فَاحش؛ فَإِنَّهُ لم يتَعَذَّر الْجمع وَلَا علم التَّارِيخ، فَكيف يثبت النّسخ؟!

.الحديث السَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صَلَّى جَالِسا تربَّع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنَيْهِمَا وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا كلهم من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بأسانيد صَحِيحَة. قَالَ الْحَاكِم فِي موضِعين من مُسْتَدْركه فِي هَذَا الْبَاب: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم أحدا رَوَاهُ غير أبي دَاوُد الْحَفرِي، وَهُوَ ثِقَة، وَلَا أَحسب هَذَا الحَدِيث إِلَّا خَطًَا.
قلت: قد تَابعه مُحَمَّد بن سعيد الْأَصْبَهَانِيّ، كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه.

.الحديث الثَّامِن عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يُصَلِّي الْمَرِيض قَائِما إِن اسْتَطَاعَ؛ فَإِن لم يسْتَطع صَلَّى قَاعِدا، فَإِن لم يسْتَطع أَن يسْجد أَوْمَأ وَجعل سُجُوده أَخْفَضَ من رُكُوعه؛ فَإِن لم يسْتَطع أَن يُصَلِّي قَاعِدا صلَّى عَلَى جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة، فَإِن لم يسْتَطع أَن يُصَلِّي عَلَى جنبه الْأَيْمن صلَّى مُسْتَلْقِيا رجلَيْهِ مِمَّا يَلِي الْقبْلَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ فى حَدِيث الْحُسَيْن بن الحكم الْحِيرِي، ثَنَا حسن بن حُسَيْن العرني، نَا حُسَيْن بن زيد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن الْحُسَيْن بن عَلّي، عَن عَلّي، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم... فَذكره، وَمِنْه نقلته، وَهُوَ نَحْو مَا فِي الرَّافِعِيّ، وَفِي الرَّافِعِيّ زِيَادَة عَلَيْهِ وَاخْتِلَاف لَفظه فَإِن فِيهِ «صَلَّى جَالِسا» بدل «قَاعِدا» وَهُوَ هُوَ، وَفِيه: «فَإِن لم يسْتَطع صَلَّى عَلَى جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَأَوْمَأَ بطرفه؛ فَإِن لم يسْتَطع صَلَّى عَلَى قَفاهُ مُسْتَلْقِيا، وَجعل رجلَيْهِ مُسْتَقْبل الْقبْلَة» ثمَّ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَجه الِاسْتِدْلَال أَنه قَالَ: «أَوْمَأ بطرفه» وَوَقع فِي رِوَايَة الشَّيْخ فِي المهذَّب ذكر الْإِيمَاء بعد ذكر الاستلقاء. والرافعي ذكره بعد صلَاته عَلَى جنب، وَسقط من رِوَايَة الْمُهَذّب ذكر «الْأَيْمن». وَلَفظه: «صَلَّى عَلَى جنبه» وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيث ضَعِيف؛ لاشتمال إِسْنَاده عَلَى ضعفاء ومجاهيل:
أحدهم: الْحُسَيْن بن الحكم، لَا يعرف لَهُ حَال، قَالَه ابْن الْقطَّان فِي علله.
ثانيهم: حسن بن حُسَيْن العرني، قَالَ أَبُو حَاتِم: لم يكن يصدق عِنْدهم، كَانَ من رُؤَسَاء جلساء الشِّيعَة. وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى أَحَادِيث مَنَاكِير، لَا يشبه حَدِيثه حَدِيث الثِّقَات. وَقَالَ ابْن حبَان يَأْتِي عَن الْأَثْبَات بالملزقات، ويروي المقلوبات. وَقد ضعفه عبد الْحق فِي أَحْكَامه بِحُسَيْن هَذَا، وَقَالَ فِيهِ كمقالة أبي حَاتِم.
ثالثهم: حُسَيْن بن زيد قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف لَهُ حَال.
قلت: بل ضعفه ابْن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: تعرف وتنكر. وَقَالَ ابْن عدي: وجدت فِي حَدِيثه بعض النكرَة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقد ضعفه غير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين قَالَ الْمُنْذِرِيّ: فِي إِسْنَاده نظر وَقَالَ النَّوَوِيّ: حَدِيث ضَعِيف. وَزَاد فِي شرح المهذَّب عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ- بعد أَن رَوَاهُ-: فِيهِ نظر وَلم أر أَنا هَذِه الزِّيَادَة فِي سنَنه نعم ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ فِي التَّرْجَمَة فَقَالَ: بَاب مَا رُوِيَ فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَى الْجنب أَو الاستلقاء: وَفِيه نظر. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه: هَذَا حَدِيث مُنكر.
فَائِدَة: أَوْمَأ- بِالْهَمْز- وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى الْإِيمَاء بالطرف الَّذِي خَالف فِيهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقَالا: لَا يُصَلِّي فِي هَذِه الْحَالة وَلَا يُومِئ بِعَيْنِه وَلَا بِقَلْبِه، وَهَذِه اللَّفْظَة لم نرها فِي الحَدِيث، وَبِتَقْدِير وجودهَا؛ فالإيماء بالطرف مَذْكُور فِي صلَاته عَلَى جنب وَذكر بعده أَنه يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا، وَلَيْسَ ذَلِك مَذْهَبنَا فَفِيهِ مُخَالفَة لَهُ.

.الحديث التَّاسِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أَمرتكُم بأمرٍ فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي التَّيَمُّم، وَاعْلَم أَن هَذَا الْخَبَر استدلَّ بِهِ الْغَزالِيّ وإمامه لما نَحن فِيهِ، وقدح الرَّافِعِيّ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ بِأَن الْقعُود لَيْسَ من الْقيام، فَلَا يكون باستطاعته مستطيعًا بعض الْمَأْمُور بِهِ؛ لعدم دُخُوله فِيهِ، وَكَذَا القَوْل فِي الِاضْطِجَاع والإيماء وتحريك الْعين.
وَأجَاب ابْن الصّلاح عَن قدح الرَّافِعِيّ بِأَنَّهُ وَإِن كَانَ بالقعود لَيْسَ آتِيَا بِمَا استطاعه من الْقيام فَهُوَ آتٍ بِمَا استطاعه من الصَّلَاة الْمَأْمُور بهَا، فَالصَّلَاة بالقعود أَو الِاضْطِجَاع أَو الْإِيمَاء وَغَيره من الْأُمُور الْمَذْكُورَة- صَلَاة؛ لِأَنَّهَا تسمى صَلَاة فَيُقَال: صَلَّى كَذَا وَكَذَا، فَصلَاته صَحِيحَة أَو فَاسِدَة، فَهَذِهِ الْمَذْكُورَات أَنْوَاع لجنس الصَّلَاة بَعْضهَا أدنَى من بعض؛ فَإِذا عجز عَن الْأَعْلَى واسْتَطَاعَ الْأَدْنَى فَأَتَى بِهِ كَانَ آتِيَا بالاستطاعة من الصَّلَاة وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.